Sunday, September 1, 2013

مبحث الإيمان وعقيدة المسلم

عقيدة المسلم(1) أركانها: الإيمان بالله، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

ويمكن أن ترد الأركان الستة إلى ثلاثة:

  1. (الإلهيات) وتتمثل في الإيمان بالله.
  2. (النبوات) وتتمثل في الإيمان بالرسل.
  3. (السمعيات) وتتمثل في الإيمان بالملائكة والكتب واليوم الآخر والقدر.

وسوف تقرأ في هذا المبحث:
1. مقدمة في العقائد وبها عدة نقاط:
  • الأولى: حقيقة الإيمان.
  • الثانية: التقليد ومرتبته في العقيدة الإسلامية.
  • الثالثة: أسباب العلم.
2. الفصل الأول (الإلهيات) وبه ثلاثة أبواب:
  • الباب الأول في إثبات وجود الله تعالى
  • الباب الثاني في صفاته تعالى
  • الباب الثالث في أسمائه تعالى
3. الفصل الثاني (النبوات) وبه ثلاثة أبواب:
  • الباب الأول في طبيعة الرسل وصفاتهم.
  • الباب الثاني في إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم.
  • الباب الثالث في الرد على منكري النبوة.
4. الفصل الثالث: (السمعيات) وبه ثلاثة أبواب:
  • الباب الأول في الملائكة والجن.
  • الباب الثاني في القضاء والقدر.
  • الباب الثالث في أحوال اليوم الآخر.

-----------------------------------

  1. العقيــــدة لغة:التوثيق والإبرام، سواء كان ذلك فى الجانب الحسى : أو الجوانب المعنوي[المصباح المنير، مادة :عقد، و لسان العرب، لابن منظور].  واصطلاحا: كلمة (عقيدة) تتسع فى المحيط الإسلامى لتدل على "فعل الاعتقاد" نفسه حينا، ولتدل على " محتوى الاعتقاد وموضوعاته " حينا، ولتدل على (العلم) الذى يتكفل ببيان الأمرين جميعا حينا آخر.  فيما يتعلق "بفعل الاعتقاد" نفسه فإن الاعتقاد الصحيح يجب أن يكون مصحوبا بالجزم والتيقن والإذعان، وأن يتخلص من شوائب "الظن " الذى يعنى التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف الراجح منهما، ومن شوائب "الشك " الذى يعنى التردد بين طرفين، دون ميل إلى أحدهما، ومن شوائب "الوهم " الذى يعنى أيضا التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف المرجوح منهما [السنوسى: شرح الكبرى، وأيضا: شرح العقائد النسفية] .

حقيقة الإيمان

المبحث الأول:  الإيمان وعقيدة المسلم

 مقدمة الإيمان وعقيدة(1) المسلم

أولا: حقيقة الإيمان

  • تعريف الإيمان

    التصديق بالله، والملائكة، والكتب السماوية، والرسل الكرام، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وجميع ما جاء به الرسول(2)، تصديقًا جازمًا؛ هو الإيمان(3).
      • الإيمان الكامل
      التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان هو الإيمان الكامل(4)؛ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4).[الأنفال:2-4]}. والعاصي المؤمن إن شاء الله عذبه وإن شاء عفا عنه.

      والتصديق بالقلب ركن الإيمان، وثمرته: يمنع صاحبه من الخلود في النار. قال صلى الله عليه وسلم -فيما أخبر عن رب العزة -: «انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبّّة من خردل من إيمان فأخـــــرجوه-أي من النار (5) ».
      والإقرار باللسان علامة وجود الإيمان، وثمرته: أن يعامل معاملة المسلمين: كالزواج والميراث، والصلاة خلفه، وعليه، والدفن في مقابر المسلمين. 
      أما من صدَّق بقلبه ولم ينطق بالشهادتين- بغير عذر -فهو مؤمن عند الله فقط ولا يعامل معاملة المسلمين.
      وولد المسلم إذا بلغ ولم يثبت عليه فعل ينفي الإسلام؛ يعامل معاملة المسلمين وإن لم يتلفظ بالشهادتين.
      والعمل بالأركان علامة كمال الإيمان(7)، وثمرته: استحقاق الدرجات العلى؛ قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون(2)والذين هم عن اللغو معرضون(3)والذين هم للزكاة فاعلون(4)والذين هم لفروجهم حافظون(5)إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين(6)فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون(7)والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون(8) والذين هم على صلواتهم يحافظون(9).[المؤمنون]}.

      • مسائل مترتبة على مفهوم الإيمان شرعًا:

      1. التصديق بالقلب دون النطق بالشهادتين استعلاءً أو جحودًا لا يكون إيمانًا شرعيًا؛ كإيمان إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به.
      2. التصديق بالقلب دون النطق بالشهادتين خوفًا من عدو أو هلاك يكون إيمانًا شرعيًا؛ كإيمان عمار بن ياسر.
      3. التصديق بالقلب دون العمل بالعبادات استعلاءً وجحودًا لا يكون إيمانًا شرعيًا؛ كمانعي الزكاة في عهد أبي بكر الصديق ؤضي الله عنه فكانو مؤمنين بكل ما جاء به النبي ولكنهم جحدوا بعبادة الزكاة.
      4. التصديق بالقلب دون العمل بالعبادات عصيانًا يكون إيمانًا شرعيًا ناقصًا.
      5. عدم التصديق بالقلب والنطق بالشهادتين نفاق يخلد صاحبه في النار ويعامل معاملة المسلمين.
      • أركان الإيمان
      1. الإيمان بالله؛ وهو: التصديق بالله تعالى ربًّا وإلهًا ومعبودًا واحدًا لا شريك له، والإيمان بأسمائه وصفاته التي وردت في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية المتواترة من غير تحريف لمعانيها أو تشبيه بصفات خلقه أو تكييف أو تعطيل لها. والإيمان بالله يكون من خلال التدبر في الكتاب المنظور (الكون)، والكتاب المسطور(القرآن). قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: 53] }

      2. الإيمان بالملائكة؛ وهو: التصديق التام بأن الله خلق الملائكة من النور، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله بها. قال تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ[البقرة: 177]} ومنهم: «جبريل» ومهمته: إبلاغ الوحي، و«ميكائيل» ومهمته: إنزال المطر وإنبات النبات، و«‎إسرافيل» ومهمته: النفخ في الصور يوم القيامة، و«ملك الموت» ومهمته قبض الأرواح وله أعوان من الملائكة، و«رضوان»ومهمته ‏خازن باب الجنة، و«مالك»ومهمته ‏خازن باب النار، و«الزبانية» وهم تسعة عشر ومهمتهم تعذيب أهل النار، و«حملة العرش»، و«الحفظة» ومهمتهم: حفظ الإنسان، و«الكرام الكاتبون» ومهمتهم: كتابة أعمال البشر وإحصاؤها عليهم فعلى يمين كل عبد مكلف ملك يكتب صالح أعماله وعن يساره ملك يكتب سيئات أعماله‎‏.

      3. الإيمان بالكتب السماوية؛ وهو: التصديق التام بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله ما سماه الله تعالى في القرآن الكريم وما لم يسم، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [الأعلى: 18، 19]}  ونذكر فيما يلي الكتب التي سماها الله عز وجل في كتابه العزيز:«صحف إبراهيم»، «التوراة»، «الإنجيل»، «الزبور»،  «القرآن»؛ فـ«الصحف» لسيدنا إبراهيم، و«التوراة» لسيدنا موسى، و«الزبور» لسيدنا داود، و«الإنجيل» لسيدنا عيسى، و«القرآن» لسيدنا محمد.

      4. الإيمان بالرسل؛ وهو: التصديق التام بأن الله عز وجل اصطفى من خلقه أنبياء ورسلا لا يعلم عددهم وأسماءهم إلا الله تعالى. ولقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم خمسة وعشرين من الأنبياء والرسل؛ وهم: سيدنا «آدم»، وسيدنا «نوح»، وسيدنا «ادريس»، وسيدنا «صالح»، وسيدنا «إبراهيم»، وسيدنا «هود»، وسيدنا «لوط»، وسيدنا «يونس»، وسيدنا «إسماعيل»، وسيدنا «اسحاق»، وسيدنا «يعقوب»، وسيدنا «يوسف»، وسيدنا «أيوب»، وسيدنا «شعيب»، وسيدنا «موسى»، وسيدنا «هارون»، وسيدنا «اليسع»، وسيدنا «ذوالكفل»، وسيدنا «داود»، وسيدنا «سليمان»، وسيدنا «إلياس»،وسيدنا «زكريا»، وسيدنا «يحيى»، وسيدنا «عيسى»، وسيدنا «محمد» صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فهؤلاء الرسل والأنبياء يجب الإيمان برسالتهم ونبوتهم.

      5. الإيمان باليوم الآخر؛ وهو الإيمان التام بما أخبرنا به الله عز وجل ورسولُه بعد الموت؛ من فتنة القبر وعذابه ونعيمه، والبعث، والحشر، والصحف، والحساب والميزان، والحوض، والصراط، والشفاعة، والجنة، والنار، وما أعد الله لأهلهما.

      6. الإيمان بالقدر خيره وشره؛ وهو الإيمان التام بأن الخالق لكل شيء هو الله تعالى؛ وأن أعمال العباد من خير هي بتقدير الله تعالى ومحبته ورضاه، وأما أعمال العباد من شر فهي كذلك بتقدير الله ولكن ليست بمحبته ولا برضاه.  

      ------------------------------------------------------------------------------

      1. العقيــــدة لغة:التوثيق والإبرام، سواء كان ذلك فى الجانب الحسى : أو الجوانب المعنوي[المصباح المنير، مادة :عقد، و لسان العرب، لابن منظور].  واصطلاحا: كلمة (عقيدة) تتسع فى المحيط الإسلامى لتدل على "فعل الاعتقاد" نفسه حينا، ولتدل على " محتوى الاعتقاد وموضوعاته " حينا، ولتدل على (العلم) الذى يتكفل ببيان الأمرين جميعا حينا آخر.  فيما يتعلق "بفعل الاعتقاد" نفسه فإن الاعتقاد الصحيح يجب أن يكون مصحوبا بالجزم والتيقن والإذعان، وأن يتخلص من شوائب "الظن " الذى يعنى التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف الراجح منهما، ومن شوائب "الشك " الذى يعنى التردد بين طرفين، دون ميل إلى أحدهما، ومن شوائب "الوهم " الذى يعنى أيضا التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف المرجوح منهما [السنوسى: شرح الكبرى، وأيضا: شرح العقائد النسفية] .  
      2. المراد بــ«جميع ما جاء به الرسول» أي الذي عُلم من الدين بالضرورة، تفصيلا فيما علم تفصيلا، وإجمالا فيما علم إجمالا. ومعنى «ما علم من الدين بالضرورة»: ما يعلمه جميع المسلمين من غير افتقار إلى نظر واستدلال، كوحدانية الله تعالى، ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ووجوب الصلاة والزكاة. ومعنى «تفصيلا فيما علم تفصيلا» إلى آخره، فهو إشارة إلى أنه يشترط التفصيل فيما علم مجيئه مفصلا كجبريل وميكائيل وموسى وعيسى والتوراة والإنجيل، حتى أنّ من لم يصدق بواحد معيّن من ذلك كان كافرا، وأنه يكفي الإجمال فيما كان مجملا كالرسل الذين لم يقصصهم الله لنا في كتابه مفصلا؛ قال تعالى: [ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك] فإن الاعتقاد المجمل في الرسل كاف في ذلك.
      3. أما العمل فهو شرط كمال؛ قال الإمام محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني: «والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان»وقال الإمام البغوي: «اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان.. وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة».وقال الحافظ ابن عبد البر: «أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ولا عمل إلا بنية). (قال الإمام الشافعي في (كتاب الأم).. وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر). وروى الإمام اللالكائي عن الإمام البخاري قوله: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
      4.  حاشية البيجوري على الجوهرة ص/ 92، ط/ دار السلام؛ وهذا الإيمان في الشرع، والإيمان لغة: مطلق التصديق وضده الكفر. (مختار الصحاح [ص 15] و [ص 272])
      5.  رواه مسلم في الإيمان عن أبي سعيد الخدري 1/172
      6. «تبصرة الأدلة» لأبي المعين النسفي(ق-346/أ)، وانظر كتاب «التوحيد» للماتريدي (ص373-377)، و«العمدة» لحافظ الدين النسفي (17/أ)، و«البداية» للصابوني (ص152)؛ و«شرح العقائد النسفية» (ص119-123)، و«شرح المقاصد»(5/2176) كلاهما للتفتازاني، وانظر «الطوائع» (ص373، 374). و«التمهيد» للباقلاني(ص99، 100).