Tuesday, January 20, 2009

التعويسة الرابعة عشر

بعنوان

فلسفة المصائب



قال أحمد أمين

الأمم لا تـــُـخلق إلا من المصائب ؛ ولا تحيا إلا بالموت ؛ ولا يــُكــوِّن زعماؤها إلا الشدائد ؛ ولا يصهر نفوسها إلا عظائم الأمور ؛ ولا تسترد حريتها إلا ببذل دمائها ؛ وما ترك الجهاد قوم إلا ذلوا ؛ ولا استسلم قوم للترف والنعيم إلا هانوا


وقد أرانا التاريخ مع الأسف أن الإنسانية لا ترقى إلا عن طريق المحن سواء فى ذلك أفرادها وأممها فالفرد الذى يجد كل شىء سهلا لايصلح لشىء ؛ والغنى المــُـترف الذى يجد كل ما يشاء ثم لا يكلف نفسه شيئا أكثر من أن يستمتع بالحياة هو نبات طفيلى يستهلك ولا ينتج
مظهر ولا مخبر ؛ يوم تعصف به عاصفة من شدة يذهب مع الريح ؛ ولا يستطيع مقاومة ؛
إنما يثبت للحياة ؛ ويصلح للبقاء من عركته الأحداث وربته المصائب ؛ وصلبته الكوارث
وهكذا شأن الأمم ؛ أصلبها عودا أصلحها للحياة ؛ وخير رجالها أقدرهم على التضحية ؛ والأمم التى تنعم تؤذن نعومتها بفنائها ؛ ولم تبلغ الأمم مثلها السامية من عدل وإخاء ومساواة وحرية إلا من طريق المصائب ؛ وصحة الأمم كصحة الأفراد ؛ فالمرض ينتاب من الأجسام أنعمها وأكثرها إخلادا للراحة ؛ والصحة لا تنال إلا بالأعمال الرياضية الشاقة وبذل الجهد المضنى ؛ ولا لذة للماء إلا بعد العطش ؛ ولا للأكل إلا بعد الجوع ؛
كذلك اللأمم لا تدرك قيمة الخير إلا بالشر ؛ ولا الفوائد إلا بالمصائب ؛ ويوم تنزل بها الكوارث تؤمن بالجد ؛ وتحتقر التافه
فأهلا بالموت إذا كان فيه الحياة ؛ وبالشر إذا كان يتبعه الخير؛