Saturday, August 24, 2013

العلم الذي هو فرض عين



  • ثانيا: العلم الذي هو فرض عين



عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ(1)».

اعلم أخي القارئ أن حكمَ طلب العلم متعدد؛ فقد يكون فرضَ عينٍ(2) ، أو فرضَ كفايةٍ(3)، أو مندوبًا(4) ، أو  مكروهًا(5).
فالعلم الفرض عين؛ مَا لَا مَنْدُوحَةَ لِلْعَبْدِ مِنْ تَعَلُّمِهِ(6) كَمَعْرِفَةِ الله عزّ وجل، وَالْعِلْم بوَحْدَانِيَّتِهِ وَنُبُوَّةِ رَسُولِهِ، وكيفية أداء الفروض العينية كالصَّلَاةِ ونحوها(7)وعلى الآباء والأمهات تعليم أولادهم الصغار ما سيتعين عليهم بعد البلوغ(8)

وأَمَّا القيام بعلوم الشرع من تفسيرٍ(9)، وحديث(10)، وفقهٍ(11)، وأصولٍ(12)، وعلومِ العربية(13)، والعلوم الدنيوية(14)؛ فتعلُّمها على كل مسلم مكلّف حرٍّ ذَكرٍ غيرِ بليدٍ(15) فرضٌ كفايةٍ؛ فإن نوى به تقوية أمَّته واستعداد نفسه لخدمة دينه فهو مجاهد في سبيل الله، وإن قصد بذلك الوصول إلى مرتبة أو وظيفة أو مكانة اجتماعية فله ما نوى(16).

والقيام بعلوم تطهير القلب من الحسد والعجب وشبههما؛ فقيل فرض عين، وقيل فرض كفاية (17).

واعلمْ أن للقائم بفرض الكفاية مزيَّةٌ على القائم بفرض العين؛ لأنه أسقط الحرجَ عن الأُمَّة.

وأما تعلم الزائد عن ذلك: كالتبحر في أصول الأدلة والإمعان فيما وراء القدر الذي يحصل به فرض الكفاية؛ فمندوبٌ. قال صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ العِلْمِ أحبُّ إليّ مِن فَضْلِ العِبَادة» أي:  نفلُ(18) العلم أفضلُ من نفل العمل، كما أن فرض العلم أفضل من فرض العمل. والمقصود بـ«فضل العلم» هو  ما زاد على المفترض(19).

وأما تعلم العلم للتباهي ببين العلماء والتماري بين السفهاء؛ فمكروه (20). قال عليه الصلاة والسلام: «من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو ليباهي به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه، فهو في النار (21)»

والمقصود بـ«عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» أي على كلِّ مكلَّفٍ (22).

فائدة

 فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْضُ قَبْلَ الْفَرْضِ؟ فَقُلِ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْضُ فِي الْفَرْضِ؟ فَقُلِ: الْإِخْلَاصُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْضُ بَعْدَ الْعَمَلِ؟ فَقُلِ: الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ؛ أي الخوف من عدم القبول لآفةٍ في العامل تُبطل هذا العمل؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60]، والرجاء في أن يتقبله الله تعالى(23).
فإن قيل ما الفرض بعد العلم والعمل؛ فقل التبليغ؛  يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً(24)»

-------------------------------------------------

  1. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، الْبَيْهَقِيُّ فِي (شُعَبِ الْإِيمَانِ) وغيرهما.
  2. فَرْضِ الْعَيْنِ: هو الْمَطْلُوبَ إقَامَتُهُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ أَيْ مِنْ كُلِّ ذَاتٍ مُكَلَّفَةٍ بِعَيْنِهَا، فَلَا يَكْفِي فِيهِ فِعْلُ الْبَعْضِ عَنْ الْبَاقِينَ، وَلِذَا كَانَ أَفْضَلَ من فرض الكفاية. [الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 123)].
  3. فرض الكفاية ما إذا قام به البعض سقط عن الباقين؛ لحصول المقصود، وإن اجتمع الناس على تركه كانوا مشتركين في المأثم. كصلاة الجنازة. [المبسوط للسرخسي].
  4. المندوب من النفل وهو الذي يثاب فاعله ولا يسيء تاركه ، وقيل : وهو دون سنن الزوائد. [الحاشية لابن عابدين].
  5. المكروه عند الحنفية نوعان: الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا: َوهُوَ مَا كَانَ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَيُسَمِّيه مُحَمَّدٌ حَرَامًا ظَنِّيًّا. والْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا: َهُوَ مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ، وَيُرَادِفُ خِلَافَ الْأَوْلَى. [الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 131)].
  6. أي ما لا عذر للعبد المكلف من عدم تعلمه، كالعلم بأحكام الطهارة والصلاة والصيام.
  7. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح  للملا علي القاري[الفصل لثاني].
  8. المجموع شرح المهذب للإمام النووي رحمه الله تعالى، المقدمة بتصرف واختصار.
  9. اسْمٌ لِلْعِلْمِ الْبَاحِثِ عَنْ بَيَانِ مَعَانِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا بِاخْتِصَارٍ أَوْ تَوَسُّعٍ .[ التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور].  
  10. ما أضيف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف. [قسم الحديث والمصطلح].
  11. معرفة النفس ما لها وما عليها عملا [حاشية رد المحتار، لابن عابدين].
  12. الْعِلْمُ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ. [شرح التلويح على التوضيح، لصدر الشريعة].
  13. علوم العربية العلوم المتعلقة باللغة العربية كالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والشعر والخطابة. [المعجم الوسيط].
  14. كالحساب والهندسة والحاسب الآلي وما أشبه.
  15. البليد: ضعيف الذكاء. [المعجم الوسيط (1/ 68)].
  16. انظر: حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 11(، والاختيار لتعليل المختار (4/ 171)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 527)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين (1/ 39).
  17. المجموع شرح المهذب للإمام النووي رحمه الله تعالى، المقدمة بتصرف واختصار.
  18. النفل في اصطلاح الحنفية: المشروع زيادة على الفرائض والواجبات والسنن لنا لا علينا [شرح منار الأنوارلابن فلك – الحاشية لابن عابدين] وحكمه الثواب على فعله وعدم العقاب أو اللوم على تركه. [أصول السرخسي – فتح الغفار لابن نجيم – حاشية ابن عابدين].
  19. فيض القدير[ للمناوي].
  20. انظر: حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 11(، والاختيار لتعليل المختار (4/ 171)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 527)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين (1/ 39).
  21. سنن ابن ماجه (1/ 93).
  22. المكلَّف: هو المسلم البالغ العاقل سليم الحواس الذي بلغته دعوة الرسول؛ فليس بمكلف؛ الكافر بدين الإسلام، أو المسلم الصبي، أو المسلم البالغ المجنون، أو المسلم البالغ العاقل غير سليم الحواس، أو المسلم البالغ العاقل سليم الحواس الذي لم تبلغه الدعوة.
  23. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 301).
  24. صحيح البخاري (4/ 170).

No comments: